تعرّض رجل الدين الشيعي، عبد الرحيم سليماني أردستاني، لسيل من الإهانات والتهديدات، من قِبل بعض المداحين المؤيدين للنظام، ووصل الأمر إلى قيام مجموعة بمهاجمة منزله، وذلك بعد تشكيكه في صحة الروايات الدينية المتعلقة بوفاة فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد، وكذلك الإمام التاسع للشيعة.
وفي الأيام الأخيرة، نُشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر أن بعض المداحين في مجالس العزاء استخدموا ألفاظًا وشتائم النابية"، لاستهداف سليماني أردستاني؛ بسبب تشكيكه في روايات الشيعة حول "مقتل فاطمة الزهراء".
وكان سليماني أردستاني قد صرح، في مناظرة مع رجل الدِين المقرب من النظام، حامد كاشاني، بأن الروايات الشيعية المتعلقة بكيفية "استشهاد" فاطمة الزهراء تشير إلى أنه إذا كان الإمام علي، زوجها، مجرد شاهد ولم يتخذ أي إجراء، فإنه "شريك في القتل"، وأن "عدالته" تصبح موضع تساؤل.
كما أرجع سبب وفاة الإمام جواد، الإمام التاسع للشيعة، إلى "غيظ زوجته بعد زواجه مرة ثانية"، مؤكدًا أن إقامة العزاء على هذا الحدث بعد مرور أكثر من 1300 عام "لا معنى له".
ردود الفعل الرسمية
ردًا على هذه التصريحات، دعا محمد علي أماني، الأمين العام لحزب "مؤتلفة الإسلامي"، دون ذكر اسم سليماني أردستاني، إلى اتخاذ إجراءات قضائية، وسحب لباس هذا "الشخص الشّيعي الزائف"، وكتب على منصة "إكس": "الإساءة إلى المقدسات والمعتقدات الشيعية جريمة لا تُغتفر".
ومن جهته، أعلن علی رضا سنجري أراكي، الذي يُشار إليه أحيانًا بلقب "آية الله" في بعض وسائل الإعلام الإيرانية، في رد على استفتاء، أن من ينكر "استشهاد فاطمة الزهراء" و"ولاية أهل البيت المطلقة" بوضوح وعلم، فإنه "خارج عن أصول المذهب الشيعي ويعتبر كافرًا أو خارجًا عن الدين".
وذكرت وكالة "تسنيم" التابعة للحرس الثوري الإيراني أن موضوع فاطمة الزهراء بالنسبة للشيعة "هو مسألة شرفية بالضرورة، وليس مجالاً للمزاح".
ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي
هاجم المستخدمون الدينيون المقربون من النظام الإيراني سليماني أردستاني بشدة، على شبكات التواصل الاجتماعي، ووجهوا له شتائم وإهانات.
وفي المقابل، دعم العديد من المستخدمين هذا الرجل الديني وانتقدوا أسلوب الرد على تصريحاته؛ حيث كتب مستخدم باسم أمير على منصة "إكس": "إن ردود الفعل العدائية اللفظية من بعض المداحين والمتطرفين تتجاوز مجرد اختلاف فقهي أو تاريخي".
وأشار إلى أن الهيمنة على هذه الجماعة تجعل الرد على وجهات النظر المختلفة حول الطقوس والعزاء يتم بـ "ألفاظ نابية في المنابر العامة" بدلاً من النقاش الحر".
وكتب مستخدم باسم علي: "التفكير العقلاني في الدين والمذهب هو العامل الذي أوقف مصالح كثيرين عبر التاريخ".
وقال مستخدم باسم محمد: "سؤال أردستاني البسيط عن جودة الرواية (وليس الأشخاص) لم يكن بحاجة لكل هذا الجدل والتعقيد".
وأضاف مستخدم باسم سيراك: "الشجاعة في التعبير عن الرأي ليست متاحة للجميع، ولهذا السبب غالبًا ما يكون عدد المتملقين والخونة أكبر من الأحرار. النقطة المهمة هي أن كل التغييرات الجيدة لمصلحة البشر كانت نتيجة شجاعة هذه الأقلية".
انتقادات الإصلاحيين
امتدت الانتقادات إلى ما يُعرف بالتيار "الإصلاحي"؛ حيث ذكر أحد ناشطيه، محمد علي أبطحي، أن الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، اعترض على تصريحات أردستاني، قائلاً: "لماذا استخدم هذه المواضيع وهذه اللغة في هذا التوقيت؟".
وأضاف أبطحي: "محتوى وأسلوب السيد أردستاني يضر أكثر من أي شيء بالفكر الديني الجديد والهادئ، الناشئ، لكنه جدي".
وأشار إلى أن "المناظرة في المسائل الدينية كانت عادة جيدة، لكنها للأسف تضررت بأسلوب مهين من جهة وشتائم نابية من جهة أخرى".
واعتبر حزب الشعبية الديموقراطية تصريحات أردستاني "سخيفة" و"مخالفة صريحة لمبادئ ومعتقدات الشيعة"، مؤكدًا في الوقت ذاته أن "أي إهانة أو اعتداء أو تكفير أو انتقام تجاه الشخص غير مقبول ويخالف حرية الرأي والتعبير".
سياق تاريخي
يشار إلى أن تاريخ النظام الإيراني كحكومة شيعية في التعامل مع منتقدي الروايات الدينية والعقائدية، حتى خارج البلاد، مظلم.
وقد كان مؤلف رواية "الآيات الشيطانية"، سلمان رشدي، منذ أكثر من ثلاثة عقود هدفًا لفتوى بالقتل صدرت عن مؤسس النظام، روح الله الخميني.
وعاش رشدي معظم التسعينيات مخفيًا وتحت حماية أمنية في بريطانيا؛ بسبب التهديدات بالقتل، وفي صيف 2022 تعرض لهجوم بسكين خلال مؤتمر أدبي في شمال نيويورك، وتلقى نحو 15 طعنة، وأصيب في الرأس والرقبة والجذع والذراع اليسرى، وفقد العين اليمنى، وأصيب بالطعنات في الكبد والأمعاء.

