أفادت شبكة "سي إن إن"، نقلاً عن مصادر غربية، أن إيران تواصل تعزيز برنامجها الصاروخي، حيث وصلت إلى ميناء بندر عباس قادمة من الصين أول سفينة محملة بالمواد اللازمة لإنتاج الوقود الصلب.
وأظهرت بيانات تتبع السفن أن أول سفينة من بين سفينتين، كل واحدة تحمل ألف طن من المواد الكيميائية المصنعة في الصين، قد رست بالقرب من بندر عباس أمس الخميس 13 فبراير (شباط). وقد تلعب شحنة هذه السفن دورًا حيويًا في إنتاج وقود الصواريخ العسكرية لطهران.
وأشارت "سي إن إن" في تقريرها إلى أن استيراد مادة الصوديوم بيركلورات قد تؤكد عودة إنتاج الصواريخ في إيران إلى وضعه الطبيعي بعد الهجمات الثقيلة والمذلة التي شنها الجيش الإسرائيلي على المصانع الرئيسية العام الماضي.
وفي وقت سابق، أفاد تقرير لصحيفة "فايننشيال تايمز"، أن سفينتين إيرانيتين كانتا تحملان أكثر من ألف طن من المواد اللازمة لصناعة وقود الصواريخ الصلبة، في طريقهما من الصين إلى إيران.
ومن المتوقع أن يتم تسليم الشحنة في بندر عباس إلى الحرس الثوري الإيراني.
ووفقًا لتقرير "فايننشيال تايمز"، أظهرت معلومات أمنية من دولتين غربيّتين أن السفينتين المسجلتين تحت العلم الإيراني، والمعروفتين باسم "جلبن" و"جيران"، كانتا تحملان أكثر من ألف طن من مادة الصوديوم بيركلورات، التي تستخدم لإنتاج أمونيوم بيركلورات، المادة الأساسية للوقود الصلب للصواريخ.
وأفادت "سي إن إن" في تقريرها يوم الخميس 13 فبراير بأن السفينة "جلبن" غادرت ميناء تايتسانغ الصيني منذ ثلاثة أسابيع محملة بشحنة ضخمة من مادة "الصوديوم بيركلورات". ووفقًا لمصادر استخباراتية أوروبية، تعد هذه المادة الكيميائية المكون الرئيسي لإنتاج وقود الصواريخ متوسطة المدى التقليدية في إيران. وقدرت المصادر الاستخباراتية أن هذه الشحنة يمكن أن توفر الوقود اللازم لإنتاج 260 محركًا لصواريخ "خيبرشكن" أو 200 صاروخ باليستي "حاج قاسم".
الشحنة في خضم التحولات الإقليمية
ذكرت "سي إن إن" أن وصول هذه الشحنة إلى إيران يأتي في وقت يواجه فيه هذا البلد العديد من التحديات الإقليمية، مثل هزائم حلفائه، وسقوط بشار الأسد في سوريا، وضعف حزب الله في لبنان. وبعد الهجوم الإسرائيلي على منشآت تصنيع الصواريخ الإيرانية في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، توقع بعض الخبراء الغربيين أن إيران ستحتاج إلى عام على الأقل لاستئناف إنتاج الوقود الصلب. لكن وصول هذه الشحنة يشير إلى أن طهران إما استأنفت إنتاج الصواريخ أو أنها على وشك العودة إلى الدورة الطبيعية للإنتاج.
وأضافت المصادر الاستخباراتية أن شحنة الصوديوم بيركلورات تم شراؤها بناءً على طلب "إدارة تأمين منظمة جهاد الاكتفاء الذاتي"، وهي جزء من الجهة المسؤولة عن تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية. وغادرت السفينة "جلبن" ميناء تايتسانغ في يناير في طريقها إلى إيران، بينما لم يتم تحميل السفينة الثانية "جيران" بعد ولم تغادر الصين.
ردود الفعل والعقوبات
أشارت "سي إن إن" إلى أنها تواصلت مع شركة الشحن الإيرانية للحصول على توضيح بشأن هذه الشحنة، لكن لم تتلق أي رد. كما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الصينية كانت على علم بهذه الشحنة قبل نشرها في وسائل الإعلام. ومع ذلك، فإن استيراد مادة الصوديوم بيركلورات بحد ذاته ليس غير قانوني ولا يعد انتهاكًا للعقوبات الغربية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، في يناير إنه غير مطلع على تفاصيل هذا الموضوع، لكنه أكد أن الصين تلتزم دائمًا بقوانين الرقابة على الصادرات وبتعهداتها الدولية.
وقد فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات على شركة الشحن الإيرانية، ووصفتها وزارة الخارجية الأميركية بأنها "شركة النقل المفضلة لنشر الأسلحة في إيران". وأشارت وزارة الخزانة البريطانية إلى أن الشركة تشارك في "أنشطة عدائية لطهران" وأبرزت ارتباطها بالقسم الدفاعي في إيران. وكلا السفينتين "جلبن" و"جيران" خاضعتان للعقوبات الأميركية.
جدير بالذكر أن الصين لا تزال حليفًا دبلوماسيًا واقتصاديًا للنظام الإيراني، وتدين العقوبات الأميركية الأحادية ضد إيران. كما رحبت الصين بانضمام طهران إلى الكتل الدولية بقيادة الصين وروسيا، مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة "بريكس". ومع ذلك، يقول المحللون إن الصين قد خفضت علاقاتها الأمنية مع طهران في العقد الماضي، وتحاول تعزيز علاقاتها مع دول أخرى في منطقة الخليج. وعلى الرغم من ذلك، فرضت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة عقوبات على عدة كيانات صينية لدعمها إنتاج الطائرات المسيرة العسكرية الإيرانية.
دور مادة الصوديوم بيركلورات
تحتاج إيران إلى الوقود الصلب للعديد من صواريخها، لكن من المرجح أن تستخدم شحنة الصوديوم بيركلورات بشكل رئيسي في برنامج الصواريخ الباليستية. على الرغم من أن مادة الصوديوم بيركلورات ليست مباشرةً خاضعة للعقوبات الغربية، إلا أنه يمكن تحويلها إلى مادة "أمونيوم بيركلورات"، وهي مادة وقود وأكسيد كنترول.
وأكد أندريا سلا، أستاذ الكيمياء المعدنية في جامعة كوليدج لندن، لشبكة "سي إن إن": "أمونيوم بيركلورات هو نفس المادة التي كانت تستخدم في وقود المكوك الفضائي". وأضاف: "لا توجد تطبيقات كثيرة لهذه المادة سوى في وقود الصواريخ والألعاب النارية والمواد المتفجرة".
ومع زيادة القيود على البركلورات في الغرب، أصبحت الصين مورّدًا رئيسيًا لهذه المادة. وقال جيفري لويس، مدير برنامج منع انتشار الأسلحة في شرق آسيا في معهد ميدلبري للدراسات الدولية: "منذ منتصف العقد الأول من القرن 21، أصبحت الصين المصدر الرئيسي للصوديوم بيركلورات لبرنامج إيران الصاروخي". وأضاف: "هذه الشحنة هي أحدث مثال خلال عدة عقود مضت".
التحديات في تأمين المواد الأولية
أضافت "سي إن إن" نقلاً عن المحللين أن طهران كانت قد ادعت سابقًا أنها قادرة على إنتاج أمونيوم بيركلورات محليًا، لكن هذه الشحنة تشير إلى وجود مشاكل في سلسلة التوريد في إيران، حيث لم تتمكن المصادر المحلية من تلبية احتياجات البرنامج الصاروخي. ويمكن أن تحدث هذه المشاكل حتى في دول مثل الولايات المتحدة.
وأضافت "سي إن إن" أن البنية التحتية لإنتاج الوقود الصلب في إيران قد توسعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وربما تكون قد زادت بعد 7 أكتوبر 2023 من خلال بناء مواقع جديدة وتطوير المواقع القائمة. وتعتبر صواريخ "خيبرشكن" ذات مدى 1420 كيلومترًا وصواريخ "حاج قاسم" ذات مدى 1450 كيلومترًا سلاحًا مهمًا لإيران ضد إسرائيل.
كما استخدم الحوثيون المدعومون من إيران بعض إصدارات هذه الصواريخ ضد إسرائيل. وعلى الرغم من أن مداها القياسي أقل من المسافة المطلوبة، فإن تعديل وزن رأس الحرب أو الوحدات المحركة الثانوية يمكن أن يزيد من مدى هذه الصواريخ.
وعادة ما تستخدم إيران الوقود الصلب في صواريخها قصيرة المدى، بما في ذلك الصواريخ التي تم استخدامها في الماضي ضد القواعد الأميركية في المنطقة أو التي تم تصديرها إلى روسيا.
ومع ذلك، فإن أكبر وأقوى الصواريخ الباليستية الإيرانية تستخدم بشكل أساسي الوقود السائل.
وقال مسؤول استخباراتي غربي لشبكة "سي إن إن" إن الوكالات الاستخباراتية الأميركية على دراية بوصول هذه الشحنة، لكنهم لا يشعرون بالقلق الكبير حيالها. ومع ذلك، إذا استخدمت إيران هذه المواد لإنتاج صواريخ سيتم إرسالها إلى روسيا، فإن ذلك سيثير المزيد من القلق.