بعد سنوات من الجدل والمناوشات بين البرلمان، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، وقعت إيران في النهاية على اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب (CFT) وانضمت رسميًا إلى اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب.
القانون الذي يُعدّ في معظم دول العالم أمرًا بديهيًا لا يثير أي ضجة إعلامية، تحوّل في إيران إلى معركة سياسية كبرى، لم تكن فقط حول مضمون الاتفاقية، بل حول تعريف الإرهاب، ومستوى الشفافية المالية، ومدى استقلال البلاد عن النظام المالي العالمي.
لفهم أهمية هذا القرار، يجب العودة إلى عدة سنوات مضت، حين وضعت مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) إيران على قائمتها السوداء، ما يعني ببساطة أن البنوك العالمية امتنعت رسميًا عن التعامل مع إيران بسبب تقييمها كدولة عالية المخاطر في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
والنتيجة؟ حتى خلال فترة الاتفاق النووي، عندما رُفعت العقوبات مؤقتًا، رفضت البنوك الأوروبية التعامل مع طهران، فأصبحت الأموال تُنقل في حقائب، وبقيت التجارة الخارجية الإيرانية في حالة عزلة شبه تامة.
كانت اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب واحدة من أربع لوائح تشريعية قدّمتها حكومة حسن روحاني للخروج من القائمة السوداء لـ"FATF" اللوائح الثلاث الأخرى كانت:
1. تعديل قانون مكافحة غسل الأموال.
2. تعديل قانون مكافحة تمويل الإرهاب.
3. الانضمام إلى اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة.
لكن في إيران، حيث يمكن لأي مصطلح أن يُفسّر أمنيًا، أصبح مفهوم "الإرهاب" إشكاليًا. فقد قال المعارضون إنّ قبول اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب يعني الاعتراف بـ"التعريف الغربي للإرهاب"، وبالتالي التشكيك في دعم إيران لجماعات مثل حزب الله اللبناني، وحماس، وأنصار الله الحوثيين.
في المقابل، رأى المؤيدون أن عدم الانضمام سيؤدي إلى خنق مالي شامل، إذ لن يتعاون أي بنك في العالم مع إيران، ما سيزيد من عزلة الاقتصاد الإيراني.
لكن في الواقع، كانت العقوبات الأميركية الثانوية قد أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل، وجعلت تأثير "FATF" ثانويًا، خاصة أن قراراتها تُتخذ غالبًا بتأثير من واشنطن رغم طابعها "الفني وغير الحكومي".
تصديق الحكومة الحالية على الاتفاقية يأتي في وقت فقدت فيه معظم فعاليتها. فـ"FATF" لا تزال تُبقي إيران في القائمة السوداء، وحتى الدول المجاورة تخشى التعاون البنكي معها خشية العقوبات الأميركية.
وفوق ذلك، فإن عودة العقوبات الشاملة للأمم المتحدة تجعل هذه الخطوة فارغة من المضمون، وكأنها لم تصدر أصلًا.
بعبارة أخرى، فإن التوقيع على اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب في هذا التوقيت يشبه فتح المظلة بعد مرور العاصفة، خطوة متأخرة ورمزية أكثر منها عملية.
ومع ذلك، تحاول إيران أن تبعث برسالة للعالم: "نحن منفتحون على التعاون الدولي، على الأقل نظريًا."
لكن في الواقع، لا بنك أوروبي يفتح حسابًا لطهران، ولا تحويلات بالدولار ممكنة، ولا تجارة نفطية رسمية قائمة.
ومع أن تأثير هذه الخطوة محدود، إلا أنها ليست بلا أهمية مطلقة.
فمن المنظور القانوني والدبلوماسي، تمثل تقرّبًا شكليًا من المعايير المالية العالمية، ما قد يكون مفيدًا في أي مفاوضات مستقبلية أو في إعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع الشرق.
إذ حتى الصين وروسيا، رغم شعاراتهما المناهضة للغرب، تطالبان بالشفافية المالية في التعاملات، ما يجعل من اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب أداة محتملة لتسهيل التعاون مع الشرق أكثر من الغرب.
لكن إذا أردنا قول الحقيقة بوضوح، فإن الانضمام إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب اليوم ليس إنقاذًا اقتصاديًا، بل وثيقة تسجّل التأخّر التاريخي لإيران في اتخاذ قراراتها.
فلو تم إقرارها عام2016 لكانت ذات أثر فعلي، أما الآن فهي مجرد خطوة رمزية لتأكيد أن "إيران أيضًا تلتزم بالقواعد الدولية"- بينما في الواقع لا تمر أي أموال عبر أي بنك دولي.
وفي النهاية، صادقت إيران على اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب، لكن مجموعة "FATF" ما تزال في باريس تصنّفها دولة "عالية المخاطر".
تمامًا كما يقول المثل الفارسي: "نوشدارو پس از مرگ سهراب"، أي: "الدواء بعد موت سهراب".

