محتلو إيران وقتلة الإيرانيين.. برأيي، هذا هو الوصف الأدق لحكام إيران الحاليين؛ فهم من جهة يحتلّون البلاد، ومن جهة أخرى يتسبّبون في مقتل شعبها.

وهم محتلّون، لأنهم استولوا على الحكم بالقوة، ودون موافقة أغلبية الشعب، وحرموا الإيرانيين من إمكانية الاختيار الحرّ. وعلى الرغم من الغضب الشعبي الواسع، يرفضون التنحّي ويستمرّ وجودهم في السلطة عبر القمع وحده.

وليس ذلك فقط؛ فسياساتهم وممارساتهم تسببت بأذى بالغ وموتٍ واسع. يوماً برصاص المتظاهرين، ويوماً بالإعدامات الجماعية، ويوماً آخر بالفقر والغلاء وسوء التغذية، واليوم عبر التلوّث الشديد الذي يهدّد حياة آلاف البشر. لقد باتت هذه السياسات أشبه بنوع من "القتل الجماعي".

وبحسب الإحصاءات الرسمية، يموت سنوياً نحو 55 ألف شخص في إيران بسبب تلوّث الهواء؛ وهو أمر لا يمكن اعتباره مجرّد "سوء إدارة"، بل نتيجة مباشرة لسياسات مقصودة ومستمرة منذ سنوات.

وتعترف السلطات نفسها بأن جزءاً كبيراً من التلوّث سببه المركبات المتهالكة. والحلّ البديهي هو تصنيع أو استيراد سيارات ذات جودة، غير أنّ الحكومة لا تنتج سيارات جيدة ولا تسمح باستيراد السيارات الأجنبية المعيارية، لأن بقاء مصالح شبكات الفساد المرتبطة بصناعة السيارات المحلية أهمّ لديها من صحة الناس.

وفي مثل هذا النظام، تُقدّم مصالح المجموعات النافذة على أي شيء، حتى لو أدّى ذلك إلى ارتفاع وفيات التلوّث. وهذه قرارات متعمّدة ونتائجها معروفة مسبقاً.

وفي قطاع الوقود أيضاً يسود المنطق نفسه. جزء كبير من البنزين يُنتَج في وحدات بتروكيميائية لا تستوفي المعايير. والسلطات تعلم بخطورة المواد الموجودة في هذا الوقود على صحة البشر، لكنها تواصل إنتاجه وتوزيعه.

وتشير التقارير إلى خلط نحو مليوني لتر يومياً من مادة "MTBE"- المحظورة منذ سنوات في الدول المتقدمة- مع البنزين المكرر. فتعريض الشعب عمداً لمثل هذه المواد السامة لا يمكن تفسيره بالجهل أو الإهمال.

وكذلك تعتمد محطات الطاقة بشكل واسع على المازوت والديزل منخفضَي الجودة، وهو وقود شديد التلوث بحسب اعتراف المسؤولين أنفسهم.

وتُطرح ذريعة "نقص الغاز" كمبرر، لكن هذا النقص نفسه نتيجة مباشرة لسنوات من السياسات الخاطئة، والمواجهة الخارجية المكلفة، ومنع الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط والغاز. وفي بلد يمتلك ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم لا ينبغي أن يواجه أزمة كهذه.

ومع تآكل البنية التحتية وعدم دخول التكنولوجيا الحديثة، تراجع إنتاج الغاز، واضطرت الدولة إلى استخدام وقود ملوّث لتأمين الكهرباء والتدفئة. وهذا أيضاً مسار مقصود على مستوى السياسة العليا، وثمنه يدفعه الشعب الإيراني.

وإلى جانب ذلك، تظهر تقارير عديدة أنّ جزءاً كبيراً من الوقود الجيد يُهرّب بدلاً من طرحه للاستهلاك الداخلي، عبر شبكات فساد منظمة مرتبطة بمراكز نفوذ مختلفة. واكتشاف خط أنابيب سريّ لتهريب وقود الطائرات في مدينة "بندرعباس"، جنوب إيران، مثال على أن هذا المستوى من التهريب لا يمكن أن يتمّ دون دعم نافذين.

وتُفرض عقوبات قاسية على اللصوص الصغار، بينما يخرج كبار المتورطين في الفساد المنظّم- بمن فيهم محكومون معروفون- بعد فترة قصيرة.

وجملة هذه الوقائع تؤكد أن تلوّث الهواء في إيران ليس نتيجة "فشل إداري" فقط، بل ثمرة سياسات متعمّدة استمرت لسنوات، وفضّلت مصالح القوى الحاكمة السياسية والاقتصادية على صحة الإيرانيين وحياتهم.

مزيد من الأخبار