تزوجت ابنة علي شمخاني، لكن حفل زفافها هذا أثار جدلًا واسعًا في مناسبتين على الأقل: المرة الأولى بسبب مكان إقامة الحفل والبذخ المالي الذي أحاط به، والمرة الثانية بسبب حجاب ومظهر النساء اللواتي ظهرن في مقطع الفيديو المتداول من الحفل.
بطبيعة الحال، لو لم يكن هذا الزواج مرتبطًا مباشرة بعلي شمخاني، لما أثار كل هذه الضجة. فشمخاني، منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 حتى اليوم، يُعتبر من أوفى الشخصيات للنظام، ولا نبالغ إذا وصفناه- دون زيادة أو نقصان- بأنه الاستراتيجي الأول للنظام الإيراني.
هو عضو دائم في مجمع تشخيص مصلحة النظام، ومستشار سياسي لعلي خامنئي، وأمين سابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، وقائد سابق للقوات البحرية والبرية للحرس الثوري، والأهم من ذلك أنه ممثل خامنئي في مجلس الدفاع، المجلس الذي من المفترض أن يتولى اتخاذ القرارات في حال اندلاع حرب جديدة، أو يتولى قيادة النظام في حال حدوث طارئ لخامنئي.
وهذه ليست سوى بعض المناصب التي تقلدها شمخاني؛ وهي مناصب ما كانت لتبقى في يده في السنوات الأولى للثورة لو لم يُظهر ولاءً عميقًا لقيم الثورة، أو لو لم يكن يجيد اجتياز المنعطفات الحرجة دون أن يُصاب بأذى.
شمخاني تحدث مرارًا عن التقشف والقناعة، وكرّر دائمًا أن ما يمتلكه الإيرانيون من خيرات هو بفضل دماء الشهداء.
في حوار له مع محمد دروديان في كتاب "قراءة في دروس وإنجازات الحرب"، قال شمخاني: "في ظل هذا الغلاء، لا أدفع ريالًا واحدًا على الفواكه أو الحلويات أو الزهور، بل لا أسمح لأحد أن يدفع. دائمًا أجلب الفواكه من منزلي".
ولهذا تحديدًا، فإن مشاهدة ابنته اليوم ترتدي فستانًا بملايين التومانات (أي ما يعادل المليارات اليوم)، أمام كعكة زفاف ضخمة من خمس طبقات تكلفت ملايين (مليارات اليوم)، تدفع المشاهد إلى الحكم عليه بالسخرية والنفاق.
إن تكاليف فندق "اسبیناس بالاس" الفخم- والذي من سخرية القدر يحمل في اسمه كلمة "بالاس" أي "القصر"- تقوّض كل قناعات شمخاني الذي لطالما أعلن عداءه "للترف والقصر"، وجعل من "مكافحة الترف" عنوانًا للزهد الثوري.
لقد أوصل شمخاني إيران إلى مرحلةٍ صار فيها من الضروري، خلال عامين فقط، التذكير بأن الملايين التي أنفقها يوم زفاف ابنته في التسعينات، تعادل مليارات اليوم.
شمخاني، الذي نجا من عملية "عرس الدم" الشهيرة ومن حرب الـ12 يومًا، يحمل عبئًا ثقيلًا على كتفيه باسم النظام:
يُلقي الخطب للترويج للتقشف والعفة والثقافة الثورية، ويتحمل اتهامات بالنفاق والرياء.
يعمل "من أجل النظام"، ويوجّه الشباب، و"يبذل ما يستطيع" لحماية الثورة.
في المقابل، أبناؤه يديرون عمليات تهريب النفط لخامنئي وبوتين، ويتحايلون على العقوبات، ثم يُعاقبون بالعقوبات نفسها.
شمخاني يعتبر نفسه فدائيًا في سبيل الشعب الإيراني، لكن من حسنٍ وحسينٍ وستايشٍ إلى معوّدٍ ومحمدهادي- كلهم من عائلة شمخاني- يعيشون على حساب هذا الشعب نفسه.
وبغض النظر عن الدوافع وراء نشر مقطع الفيديو ، سواء كان جزءًا من صراع داخلي بين الأجنحة في وقتٍ يحتاج فيه خامنئي إلى الوحدة أكثر من أي وقت مضى، أم مجرد تسريب عرضي، فإن نشره كشف حقيقة واحدة: أن القيم الثورية لم تعد سوى كلمات في الهواء، بلا إيمانٍ ولا مضمون. وهذا، بالنسبة لثورة قامت على الإيمان والأيديولوجيا، يعني الضعف والانهيار.
الفيديو يُظهر شمخاني كأبٍ أميركيٍ في حفل زفاف ابنته، يسير إلى جانبها ويُسلمها إلى العريس، أمامهما فتاة صغيرة تنثر الورود (Flower Girl)، بينما يصدح في القاعة أغنية عربية، ونساء العائلة يقفن بلا حجاب، مطمئنات، غير خائفات من ظهورهن أمام "السردار" (اللواء شمخاني).
كل ذلك يرمز إلى نهاية الثورة، نهاية المعتقدات التي لم يعد المتحدثون بها مؤمنين بها، ولا السامعون يصدقونها.
إن عائلة شمخاني تتحدث بلغة الثورة والتقشف، لكنها في الواقع، عندما يحين وقت الاحتفال، ترغب أن تحتفل مثل باقي الإيرانيين- بل بأفخم مما يفعلون. الفرق الوحيد هو أن هؤلاء خدعونا، وكذبوا علينا، وقتلوا "بناتنا" بالرصاص،
ثم دفعوا تكاليف زفافهم الفاخر من أموالنا نحن.

