بعد محادثات "بنّاءة" بين مساعد وزير الخارجية الأميركي مايكل جي. ريغاس، ووزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، جدّدت واشنطن تأكيدها على ضرورة تفكيك الميليشيات التابعة لإيران في العراق.
وأشار الحساب الفارسي لوزارة الخارجية الأميركية، الذي نشر صورًا من اللقاء، إلى تصريحات سابقة لوزير الخارجية، ماركو روبیو، الذي أن الولايات المتحدة "ستواصل الحديث بصراحة عن ضرورة تفكيك الميليشيات المدعومة من إيران، والتي تُضعف سيادة العراق، وتهدّد الأميركيين والعراقيين، وتنهب موارد العراق لصالح إيران".
ويأتي ذلك في ظل تحولات سياسية داخل العراق وتوترات أمنية إقليمية تُلقي بظلالها على مستقبل الحكومة العراقية المقبلة، وعلى توازن القوى في الشرق الأوسط. فبعد الانتخابات البرلمانية، التي جرت 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لم تتمكن القوى السياسية بعد من التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي 26 نوفمبر الماضي، نقل أحد قادة ائتلاف "الإطار التنسيقي" الشيعي في العراق لـ "إيران إنترناشيونال" أن استمرار الخلافات داخل الائتلاف، ومساعي بعض أطرافه لزيادة نفوذهم على باقي المكونات، أدّى إلى تعثّر المشاورات المتعلقة بتشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء.
وقال رحيم العبودي، القيادي في تيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم وعضو الإطار التنسيقي، إن بعض القوى داخل الائتلاف "تسعى إلى توسيع نفوذها والتوصل بشكل مستقل إلى اتفاقات مع القوى الكردية والسنية".
تحذير أميركي لبغداد بشأن إشراك الميليشيات في الحكومة المقبلة
كما نقل مصدر في إقليم كردستان العراق، في 16 نوفمبر الماضي، أن واشنطن حذّرت بغداد صراحة من أنها لن تعترف بأي حكومة تُمنح فيها الوزارات للميليشيات الموالية لإيران.
وأوضح المصدر أن القوى الشيعية والكردية متوافقة على احتفاظ الأكراد بمنصب رئاسة الجمهورية، وأن طهران لا تعارض ذلك. لكنه أشار إلى أن احتمال اختيار شخصية سُنّية لرئاسة الوزراء يثير قلقًا في طهران.
وأضاف أن جميع القوى الشيعية تعارض تجديد ولاية محمد شياع السوداني، لكن ممثل الرئيس الأميركي لشؤون العراق، مارك سافايا، يتمتع بـ "علاقة شخصية" مع السوداني قد تؤثر في سير عملية الاختيار.
وأكد المصدر أن نفوذ إيران على اختيار رئيس الوزراء في العراق لم يعد كما كان، وأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية باتت أكثر انخراطًا في العملية هذه المرة.
واشنطن تؤيد تعزيز سيادة العراق وقلق إسرائيلي
كان سافايا قد شدّد قبل أيام على دعم واشنطن لجهود بغداد في مواجهة النفوذ الخارجي، بما يشمل نفوذ طهران وميليشياتها. كما أكد ضرورة إنهاء نشاط الجماعات المسلحة خارج مؤسسات الدولة، قائلاً: "يجب على العراق وضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وتنظيم قواته الأمنية تحت قيادة واحدة".
وفي موازاة ذلك، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن ارتفاع مستوى القلق في تل أبيب بسبب تنامي نشاط الميليشيات العراقية الموالية لإيران.
فقد نقل موقع "والا" عن مصادر في الجيش الإسرائيلي أن الجيش و"الموساد" يستعدان لمواجهة "تهديد متصاعد" من تلك الجماعات. فيما كتبت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن إيران تعزز بنيتها العسكرية ونفوذها عبر الميليشيات في العراق لتوفير منصة لشن هجوم صاروخي أو بطائرات مسيّرة أو حتى عملية برية ضد إسرائيل عند "اليوم الموعود".
وأشارت الصحيفة إلى أن الهجوم المحتمل قد يبدأ من الأراضي العراقية على غرار هجمات الصواريخ والطائرات المُسيّرة خلال الحرب بين إسرائيل وحماس، أو عبر عملية برية تنطلق من العراق مرورًا بسوريا وصولاً إلى حدود إسرائيل والأردن.
كما ذكّرت بأن إسرائيل استهدفت خلال حرب الـ 12 يومًا مراكز لوجستية على الحدود العراقية- الإيرانية كانت تُستخدم من قِبل الجماعات الموالية لطهران. ونقلت عن مصادر إسرائيلية أن رسائل تحذير شديدة اللهجة وصلت إلى الحكومة العراقية عبر قنوات مختلفة، بينها الولايات المتحدة.
تحول في محور نفوذ طهران وزيادة تسليح الميليشيات العراقية
ووفق تقرير لإذاعة إسرائيلية، فإن إيران باتت تركّز نفوذها العسكري على العراق بعد الضربات التي تلقّتها الجماعات المرتبطة بها في لبنان وسوريا وغزة.
وتقول مصادر عراقية إن طهران زادت دعمها للميليشيات العراقية، مع التركيز على تزويدها بأسلحة متطورة وتكثيف تدريبها استعدادًا لمواجهة محتملة مع إسرائيل.
إن لقاء ريغاس وفؤاد حسين، وما تلاه من تأكيد أميركي على ضرورة تفكيك الميليشيات الموالية لإيران، يعكس جانبًا من استراتيجية واشنطن الإقليمية الحالية، ومن تعقيدات الوضع الداخلي العراقي. وتشير التقارير إلى أن مستقبل بغداد السياسي وأمن المنطقة، ولا سيما مستوى التوتر بين إيران وإسرائيل، بات مرتبطًا أكثر من أي وقت مضى بدور المجموعات المسلحة العراقية.

