تكشف التصريحات الأخيرة لعلي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن الخطوط الحمراء التقليدية في سياسة النظام النووية ما زالت قائمة، وأن النهج العام لا يزال يدور في فلك الرفض وعدم التعاون.

وقال لاريجاني إن "اتفاق القاهرة" من وجهة نظر إيران ملغى، مضيفاً أنه إذا كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تملك خطة أو مقترحاً جديداً بشأن عمليات التفتيش، فيمكنها تقديمه ليُبحث في المجلس الأعلى للأمن القومي.

وكان اتفاق القاهرة آخر محاولة بين إيران والوكالة بوساطة مصرية لتخفيف التوترات، في إطار مسعى لإيجاد صيغة تسمح للوكالة بالتعاون مع دولة عضو تعرّضت لهجوم عسكري، لكنها لم تنسحب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، رغم ما تكنّه من عداء عميق للوكالة دون أن تصل إلى حد القطيعة.

لكن نتيجة هذه التوترات حتى الآن كانت أن الوكالة لم تتمكّن طوال أكثر من ستة أشهر من إجراء أي تفتيش مباشر في المنشآت النووية الإيرانية، كما عجزت عن إصدار تقريرها الفصلي المعتاد.

غياب وصول المفتشين وتعطّل مسار الشفافية دفع الدول الأوروبية الثلاث– بريطانيا وفرنسا وألمانيا– إلى التلويح مجدداً بإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي.

ووفقاً لمصادر دبلوماسية في فيينا، فإن الأوروبيين يعتزمون، استناداً إلى القرار الذي صدر في يونيو الماضي بشأن "عدم التزام إيران بتعهداتها النووية"، طرح مسألة الإحالة على مجلس الأمن خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة في نوفمبر المقبل.

هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان عام 2010، حين أُحيل الملف الإيراني بعد شهور من الجمود إلى مجلس الأمن، وصدر القرار 1929 الذي مثّل حينها واحدة من أشد حزم العقوبات متعددة الأطراف على طهران، ومهّد الطريق أمام العقوبات الأميركية والأوروبية الأحادية.

والآن، بعدما أُعيد تفعيل القرار 1929 عبر آلية الزناد، يبقى مصير البرنامج النووي الإيراني في أروقة مجلس الأمن غامضاً – خصوصاً في ظل غياب الإجماع الدولي السابق.

تبدّل موازين القوى في النظام الدولي، ولا سيما تقارب روسيا والصين مع إيران في إطار تنافسهما مع الغرب، جعل هذين البلدين أقل ميلاً لدعم ضغوط مجلس الأمن على طهران كما في العقد الماضي.

ومع ذلك، يرى الخبراء أن موسكو وبكين لا ترغبان في مواجهة مباشرة مع الوكالة، وقد تكتفيان بالامتناع عن التصويت على أي قرار توبيخي، وهو موقف من شأنه أن يترك إيران في عزلة نسبية جديدة.

العودة إلى المسارات الدبلوماسية الرسمية ضد البرنامج النووي الإيراني، مثل الإحالة مجدداً إلى مجلس الأمن، تعكس حالة انسداد مزمن. فترامب يعلن أن البرنامج النووي الإيراني دُمّر، وخامنئي يردّ قائلاً "فليبق في وهمه"، بينما الأوروبيون يهددون بإعادة الملف إلى مجلس الأمن. جميع أعراض "المرض المستعصي" واضحة.

وفي الأثناء، أظهرت صور أقمار صناعية جديدة نشرها معهد العلوم والأمن الدولي أن إيران استأنفت أعمال البناء في مجمع يُعرف باسم "طالقان-2"، وهو موقع تضرر سابقاً في ثاني هجوم إسرائيلي على الأراضي الإيرانية.

وتقول مصادر استخباراتية غربية إن هذا المجمع جزء من شبكة تحت الأرض جديدة للنظام الإيراني مخصصة للبحث والتطوير في مكوّنات الصواعق الخاصة بالقنابل النووية.

استئناف العمل في "طالقان-2" في ظل هذه الظروف يحمل رسالة واضحة: طهران لا تعتزم التراجع، بل تفضّل الاستمرار في نهج "التصعيد المحسوب" والمواجهة المضبوطة الإيقاع.

مزيد من الأخبار