قال مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، إن سياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران مشوشة وتفتقر إلى أي استراتيجية متماسكة. جاء ذلك في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال"، وذلك بعد أن سحب ترامب فريقه الأمني رغم تهديدات طهران باغتياله.
وقال بولتون: "هذا مجرد ارتباك من ترامب. إنه لا يملك فلسفة واضحة، ولا يتبع استراتيجية كبرى، ولا ينتهج السياسة بالطريقة التي يفهمها معظم الناس. بل إنه يحتفظ في ذهنه بأفكار متضاربة في آن واحد".
وفي اليوم نفسه الذي أعاد فيه ترامب فرض سياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعها في ولايته الأولى بهدف تصفير صادرات النفط الإيرانية، أعرب، يوم الثلاثاء، عن استعداده للتفاوض من أجل التوصل إلى "اتفاق يمكن التحقق منه" لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.
وخلال توقيعه على قرار العقوبات، أقر ترامب بتردده في اتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران، قائلًا للصحافيين: "هذا من القرارات التي أشعر بالحيرة تجاهها. الجميع يريد مني التوقيع عليه، وسأفعل. إنه قرار قاسٍ جدًا على إيران".
ويرى بعض المحللين أن التصريحات المتناقضة لترامب هي جزء من أسلوبه التفاوضي الذي يهدف إلى إبقاء خصومه في حالة من عدم التوازن.
وكتب جيسون برودسكي، مدير السياسات في منظمة "متحدون ضد إيران النووية" (UANI)، على منصة "إكس": "ترامب يتنقل بين التهديدات المبهمة والضغوط الاقتصادية والتقارب الحذر مع النظام الإيراني، وهو ما يبقي طهران في حالة ترقب، ويعد ذلك جزءًا من دبلوماسيته القسرية".
لكن بولتون يرى أن ترامب قد يفعل أي شيء ليبدو وكأنه مفاوض بارع، محذرًا بالقول: "هناك خطر في أن يتفاوض ترامب بشأن أي شيء مع أي شخص. اعتقاده بأنه أفضل صانع صفقات في العالم- وقد كتب كتابًا بعنوان (فن الصفقة)- يجب أن يثير قلقنا، لأنه لا يدرك تمامًا ما هو على المحك هنا".
بدورها، أرسلت إيران إشارات متباينة بشأن انفتاحها على الحوار مع ترامب. فقد صرّح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، يوم الأربعاء، بأن مطلب ترامب بوقف الطموحات النووية الإيرانية أمر "قابل للتحقيق".
لكن بعد أن طرح ترامب فكرة استئناف المفاوضات النووية، ردّ المرشد علي خامنئي، أمس الجمعة، بتشكيك عميق، قائلًا إن المفاوضات مع واشنطن "ليست ذكية ولا حكيمة ولا شريفة".
ولم تقدم إيران حتى الآن أي تفسير لأنشطتها النووية السرية السابقة. وزعمت صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلًا عن مصادر استخباراتية أميركية لم تُسمّها، أن فريقًا سريًا من العلماء الإيرانيين يعمل على تسريع تطوير سلاح نووي.
وباتت احتمالية امتلاك إيران قنبلة نووية أقرب من أي وقت مضى، حيث كثّفت البلاد في السنوات الأخيرة إنتاجها من المواد الانشطارية. ووفقًا لتقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإن إيران تنتج شهريًا كميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة وبهذا المعدل، قد تتمكن طهران من جمع الكمية الكافية لصنع قنبلة نووية في أقل من أسبوع.
وبفضل عمله مستشارًا للأمن القومي خلال ولاية ترامب الأولى، حظي بولتون بفرصة لمراقبة أسلوب الرئيس عن كثب، إلى جانب متابعة التطورات الدقيقة للبرنامج النووي الإيراني.
ويؤكد بولتون أن إيران لا يمكن الوثوق بها، مشيرًا إلى تعاونها المزعوم مع كوريا الشمالية في المجال النووي.
وقال: "نعلم أن كوريا الشمالية تعاونت مع طهران في مشاريع مثل المفاعل النووي في سوريا، الذي دمّرته إسرائيل عام 2007. كما أن هناك تعاونًا في تطوير الصواريخ الباليستية، لأن كلا البلدين يعتمدان على تكنولوجيا صواريخ سكود السوفياتية من حقبة الحرب الباردة. أما احتمال وجود تعاون لم يُكشف عنه بعد، فهو أمر يجب أن يثير قلقنا".
ورغم شكوكه بشأن اندفاع ترامب نحو عقد صفقة، فإن بولتون يعتقد أن الرئيس الأميركي لن يقع بسهولة في فخ ما وصفه بـ"الهجوم الدبلوماسي الساحر" الذي تشنه إيران.
فقد سعى نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، مرة أخرى إلى تقديم صورة أكثر اعتدالًا عن إيران، داعيًا إلى اتباع نهج دبلوماسي.
وفي مقابلة حديثة مع "NBC News"، قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، إنه مستعد للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما نفى مزاعم عن تخطيط إيران لاغتيال ترامب.
وصرّح بزشكيان: "إيران لم تحاول أبدًا، ولا تخطط، لاغتيال أي شخص". جاء ذلك بعد أشهر فقط من توجيه وزارة العدل الأميركية اتهامًا لمواطن أفغاني زُعم أنه تلقى تكليفًا من إيران لتنفيذ مخطط اغتيال ترامب مقابل المال.
ومن وجهة نظر بولتون، فإن محاولات إيران للحوار تنطوي على مخاطر، وهدفها الأساسي هو تخفيف العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة.
وقال بولتون: "أعتقد أن أحد أسباب سعيهم لإبرام اتفاق نووي جديد هو التخلص من العقوبات التي تنتهك الاتفاق، بينما يواصلون تطوير أسلحتهم النووية. الفكرة، بوضوح، هي تحقيق أفضل مكاسب ممكنة من كلا الجانبين".
وأضاف بولتون أن ترامب لم ينخدع بالمناورات الإيرانية خلال فترته الرئاسية الأولى، معربًا عن أمله في أن لا يقع مجددًا تحت تأثير وعود طهران.