يُظهر التقرير الصادر عن مؤسسة العلوم والأمن الدولي أنه، على الرغم من تدمير جزء كبير من البنى التحتية النووية للنظام الإيراني خلال الحرب الأخيرة، فإن هناك مؤشرات جديدة على عمليات إعادة بناء هادفة وتعزيز للهياكل الأمنية في المنشآت الرئيسية المتبقية.
وتخلص النسخة الكاملة من هذا التقرير الشامل، الذي نُشرت أجزاء منه خلال الأسابيع الماضية، من خلال مراجعة صور الأقمار الصناعية، والمعلومات التي نشرتها المؤسسات الأمنية، وخاصة الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن النظام الإيراني، رغم حجم الدمار الواسع، ما يزال يسعى للحفاظ على قدراته النووية الحساسة وإحيائها، ويواصل العمل في مواقع "كوه کلنغ" العميقة للغاية.
وفي جزء من هذا التقرير، تم التطرّق إلى "بناء حجرة أسطوانية لاحتواء المواد شديدة الانفجار والمنشآت المرتبطة بها" في موقع طالقان 2؛ وهي بنية "تشبه ما يُستخدم في تطوير السلاح النووي"، بحسب التقرير.
ويُظهر التقرير أنه بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً، تم تدمير مواقع التخصيب الرئيسية التابعة للنظام الإيراني في فوردو ونطنز وأصفهان إلى حدّ كبير، ولم تُسجَّل فيها أي أنشطة ذات مغزى.
وخلص التقرير إلى أن برنامج التخصيب الإيراني قد تراجع بشكل جدي.
وفي جزء آخر من مقدمة التقرير، تمت الإشارة إلى أنه، رغم هذا التوقف الجدي، فإن أنماطاً واسعة من عمليات التطهير وإعادة تجهيز المعدات قد لوحظت في عدة مواقع مرتبطة بعسكرة القدرات النووية، وهو ما قد يشكّل مقدمة لإعادة البناء أو جزءاً من عملية إخفاء ما.
وأشار التقرير، بالاستناد إلى تركيب "عوائق مضادة لصواريخ كروز" في أنفاق مجمع أصفهان النووي، إلى أن هذا المجمع هو "المرشح الأكثر احتمالاً" لاحتواء المعدات النووية عالية القيمة أو مخزون اليورانيوم المخصَّب بنسبة 60%، أو كليهما، لكنه في الوقت نفسه لم يستبعد "احتمال نقلها بين المواقع النووية".
وقد صنّف التقرير المواقع المرتبطة ببرنامج النظام الإيراني النووي في ثلاث فئات:
المواقع التابعة لمنظمة الطاقة الذرية للنظام الإيراني المرتبطة جميعها بتخصيب اليورانيوم، وتشمل: "مجمع التخصيب في نطنز، وموقع التخصيب في فوردو، ومجمع أصفهان، وموقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي في كرج، وموقع اختبار وتطوير أجهزة الطرد المركزي كالاي إلكتريك".
المواقع التابعة لـ"سبند" المرتبطة بعسكرة البرنامج النووي، وتشمل: "مواقع سنجريان، ولويزان 2، والمقر الجديد لـ"سبند"، ومركز الأبحاث شهيد ميثمي".
وموقعان رئيسيان مرتبطان بتخصيب اليورانيوم أو العسكرة، وتوجد دلائل على استمرار أعمال البناء فيهما، وهما: "كوه کلنغ وطالقان 2".
كوه كلنغ
تقع منشأة "كوه كلنغ" جنوب المجمع النووي في نطنز، وتُظهر صور الأقمار الصناعية استمرار الأنشطة الإنشائية خلال الأشهر الماضية.
هذه المنشأة، التي لم تُستهدف خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، تتألف من مجموعتين من الأنفاق تحت الأرض: إحداهما قيد الإنشاء وتسمى "مجمع أنفاق كلنغ"، والأخرى اكتمل بناؤها عام 2007 وتُعرف بـ"مجمع أنفاق 2007".
وكان النظام الإيراني قد أعلن عام 2020 أن الهدف من بناء مجمع أنفاق "كوه كلنغ" هو إنشاء منشأة متطورة لتجميع أجهزة الطرد المركزي بطاقة إنتاجية تبلغ عدة آلاف من الأجهزة سنوياً.
ويبدو الآن أن بناء هذا المجمع، على الأقل في الجزء المتعلق بالأنفاق، يقترب من مراحله النهائية. إضافة إلى ذلك، فإن الجدار الأمني الخارجي المحيط بالمجموعتين، الذي بدأ بناؤه قبل الحرب ومنذ أوائل عام 2025، قد اكتمل، فيما لا تزال الأعمال الأمنية الأخرى قيد الإنشاء.
ويرجّح التقرير أنه، خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، تم إخلاء مخزون اليورانيوم المخصَّب من الموقع الرئيسي في نطنز ونقله إلى هذا المجمع؛ وهو احتمال تعزّزه إجراءات التحصين المتزايدة وعمليات الحفر وردم مداخل الأنفاق.
ويقول التقرير، استناداً إلى صور الأقمار الصناعية، إن مداخل مجمع أنفاق 2007 قد جرى تعديلها لجعل الوصول إليها أكثر صعوبة، ويرى أن الهدف من ذلك هو "تعزيز القدرة على الصمود أمام الهجمات، أو ربما تعقيد عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
ويعتقد معدّو التقرير أنه بعد التدمير الواسع لبقية المنشآت المرتبطة بأجهزة الطرد المركزي في إيران، فإن المجمع الجبلي في "كوه كلنغ" سيكون على الأرجح أحد أبرز المواقع المرشّحة لإعادة بناء برنامج أجهزة الطرد المركزي الإيراني، وهو البرنامج الذي يشمل إنتاج قطع أجهزة الطرد المركزي ثم تجميعها، وصولاً إلى عمليات التخصيب.
كما يرى معدّو التقرير أن مجمع "كوه كلنغ" يتميز بأنه بُني على عمق كبير جداً، وربما أعمق حتى من منشأة التخصيب في فوردو، وهو ما يثير الكثير من المخاوف.
ويؤكد التقرير أنه لم تُلاحظ "أي مؤشرات" على تغييرات في البرنامج النووي للنظام الإيراني في هذا الموقع بعد الحرب، وأن الموقع حتى نوفمبر 2025 كان يقترب من المراحل النهائية للبناء. وبهذا، يبقى هذا المجمع المرشح الأساسي لإعادة بناء برنامج أجهزة الطرد المركزي الإيراني.
ويشير التقرير إلى أن الأنشطة المرصودة في مجمّع أنفاق 2007 القديم تبدو "أكثر إرباكاً"، موضحاً أن "الجهود المبذولة لتعزيز مداخل الأنفاق ما تزال مستمرة، وبمستوى قد يصل إلى إغلاق هذه المداخل بالكامل، أو ربما دفن الموجودات المخزنة في الموقع أو تأمينها بشكل محكم".
وبحسب قول معدّي التقرير، فإن هذا النشاط يعيد التأكيد على سؤال مهم: "هل قامت إيران خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، وقبل دخول أميركا في التوترات، بنقل مخزون اليورانيوم المخصَّب من نطنز إلى هذا الموقع؟".
طالقان 2
طالقان 2 منشأة تقع ضمن المجمع العسكري في بارشين، على بُعد 30 كيلومتراً جنوب شرق طهران، والتي لم تُستهدف خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً بسبب الدمار الذي لحق بها جراء هجمات إسرائيلية في أكتوبر 2024.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية بين مايو ونوفمبر 2025 أن النظام الإيراني بذل جهوداً كبيرة لإعادة بناء الموقع وتطويره.
وأهم التطورات هو بناء حجرة أسطوانية لاحتواء المواد شديدة الانفجار والمنشآت المرتبطة بها؛ وهي بنية شديدة الشبه بتلك التي تُستخدم في تطوير السلاح النووي.
إضافة إلى ذلك، فإن تصميم مبنى مركزي طويل يتضمن الحجرة الأسطوانية المخصصة لاحتواء الانفجارات، إلى جانب الهياكل المُعزَّزة التي تحمي المباني من الانفجارات- سواء كانت ناتجة عن قصف جوي أو انفجار داخلي- يزيد من احتمال وجود مواد شديدة الانفجار في هذا الموقع.
ويؤكد التقرير أنه، رغم عدم وجود أي أدلة حالياً على استخدام هذا الموقع لأهداف نووية عسكرية، فإن طبيعة البناء، وأبعاد الحجرة الأسطوانية، ونمط تعزيز الهياكل، يطرح احتمال أن يكون النظام الإيراني يسعى إلى إعادة بناء قدراته المتعلقة باختبارات الانفجار عالي القدرة المرتبطة ببرنامج "آماد"، أو السعي لتحقيق هدف مشابه.
نطنز
تشير التقديرات إلى أن الأنشطة المرصودة في هذا المجمع كانت محدودة. ولم تُشاهد أي عمليات إصلاح للمباني أو للبنى التحتية المتضررة أو المدمرة.
كما تم ملء الحفرة الناتجة عن قنبلتي "جي بي يو–57" الخارقَتَيْن للتحصينات فوق قاعة التخصيب المدفونة، ووُضع غطاء فوقها.
ويؤكد التقرير أن دخول الموظفين الإيرانيين إلى المنشآت تحت الأرض في نطنز غير واضح، لكن بالنظر إلى تشتّت بقايا ما لا يقل عن 19 جهاز تبريد تابع لنظام التهوية في أماكن مختلفة، فإن منشأة نطنز ليست عاملة حالياً.
فُردو
تُظهر صور الأقمار الصناعية لفُردو بتاريخ 2 نوفمبر 2025 أنه لم تُلاحظ في هذا الموقع أي أنشطة جديدة أو ذات أهمية.
فمع أنه، خلال التقييمات الأولية لقياس حجم الأضرار الناتجة عن هجمات أميركا وإسرائيل، جرى شقّ طرق تؤدي إلى مواقع الانفجار، ووضِع رافعة (كرين) لفترة قصيرة في المكان، فإن الحفر قد رُدمت منذ ذلك الحين، كما أزيلت الرافعة وسائر الآليات الثقيلة من الموقع.
وكما جاء في تقرير التحقّق والمراقبة الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبتمبر 2025، فإن الأضرار التي لحقت بمنشأة فُردو يُرجَّح أن تكون كبيرة جداً.
مجمع أصفهان النووي
يُعدّ مجمع أصفهان النووي من أكبر المراكز النووية في إيران، ويضم منشآت تحويل اليورانيوم، وتصنيع الوقود، ومستودعات اليورانيوم الطبيعي والمخصّب، وإنتاج معدن اليورانيوم. كما توجد فيه أهم وحدات إنتاج وقود المفاعلات.
وعلى الجانب الشمالي من مجمع أصفهان النووي يقع مجمع أنفاق يُرجَّح أن جزءاً مهماً من مخزون إيران البالغ 440 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 60% قد خُزّن فيه.
وإضافة إلى ذلك، تشير التقييمات إلى أن هذا الموقع كان أيضاً مكان إنشاء منشأة تخصيب سرّية جديدة، كانت إيران قد أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجودها قبيل اندلاع حرب الاثني عشر يوماً، من دون تقديم تفاصيل عنها.
وقد توقفت الأنشطة في المرافق الأساسية فوق سطح الأرض داخل هذا المجمع فعلياً بعد هجمات إسرائيل والولايات المتحدة، ولم تُسجَّل أي جهود جدّية لإعادة الإعمار، باستثناء عمليات تنظيف محدودة.
وتؤكد مؤسسة العلوم والأمن الدولي أن إعادة إعمار هذه المرافق ستكون شديدة الصعوبة بسبب اعتمادها الكبير على معدات مستوردة تخضع الآن جميعها للعقوبات الدولية.
ومع ذلك، تُظهر الصور الفضائية أن إيران أجرت خلال الأشهر الأخيرة أعمالاً في منشآت الأنفاق التابعة للمجمع، التي تحتوي على ثلاثة مداخل؛ من بينها إعادة تصميم المدخل الشمالي وتنظيف المدخل الأوسط جزئياً.
وترى المؤسسة أن هذه الجهود قد تكون جزءاً من أعمال تحضيرية لتهيئة وصول آمن وموثوق إلى مداخل الأنفاق.
وإضافة إلى ذلك، نصبت إيران حول المدخل الشمالي نوعاً من "الموانع المضادّة لصواريخ كروز"، وهي موانع تهدف إلى تعطيل قدرة صاروخ كروز أو أي صاروخ آخر على إصابة المدخل بشكل مباشر.
وبناءً على ذلك، يرجّح معدّو التقرير أن أجزاءً من مجمع أصفهان النووي أصبحت الآن جاهزة للعمل أو على وشك أن تصبح كذلك. كما يُعدّ هذا المجمع "المرشح الأكثر احتمالاً" لاحتواء المعدات النووية عالية القيمة، بما في ذلك منشآت الطرد المركزي الجديدة أو مخزون اليورانيوم المخصَّب بنسبة 60%، أو كليهما.
موقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي في كرج
لا يزال هذا الموقع، الذي كانت تشرف عليه منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، مدمّراً بالكامل، ولم تُسجَّل فيه أي عمليات تنظيف أو إصلاح منذ حرب الاثني عشر يوماً. فما تزال الأنقاض الناتجة عن الهجمات متناثرة في أرجاء الموقع، وتُظهر أحدث الصور الفضائية أن عدداً من مبانيه دُمّر بالكامل.
سنجريان
يُعدّ سنجريان من المواقع التي لم تزُرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلقاً. وكان هذا الموقع واحداً من المنشآت الأساسية في برنامج "عماد" للتجارب والتصنيع.
وتُظهر الصور الفضائية التي جرى تحليلها أن نشاطاً محدوداً جداً قد سُجّل هناك. ومع أنه تبيَّن أن الموقع تمت زيارته، فإنه لم يُسجَّل أي جهد واضح للتنظيف أو إعادة الإعمار.
لويزان 2 المعروف بموقع مُجده
يقع موقع لويزان 2 (مجده)، الذي لم تزُره الوكالة أيضاً، قرب جامعة مالك أشتَر. ويندرج ضمن منظمة الأبحاث والابتكار الدفاعية المعروفة بـ"سبند"، التي ترفع تقاريرها مباشرة إلى أعلى مستوى عسكري وإلى المرشد الإيراني.
وخلال الأشهر الماضية، بذلت إيران جهوداً مكثفة لتنظيف هذا الموقع، شملت هدم المباني ورفع الأنقاض، وما تزال العملية مستمرة.
وقد يكون هذا التحرك السريع من السلطات الإيرانية لإزالة هذه المباني المهمة تمهيداً لإعادة بناء القدرات الأساسية لـ"سبند". كما أن هذا التطهير يقلّص بشدة إمكان أي تفتيش مستقبلي قد يكشف أدلة على أنشطة نووية غير مُعلنة أو مرتبطة بالسلاح النووي قد تكون جرت في هذا الموقع.
المقر الجديد لـ"سبند"
يقع المقر الجديد لـ"سبند" على بعد كيلومتر ونصف من لويزان 2، في شارع فخري زاده، ولم تزُره الوكالة الدولية للطاقة الذرية قط. وتُظهر صور فضائية من منتصف الصيف حتى منتصف نوفمبر أن إيران تعمل على هدم المبنى تدريجياً واسترجاع المعدات المتبقية فيه.
ويشير التقرير تحديداً إلى ثلاث وحدات تبريد رُصدت في الصور الفضائية ثم جرى إخراجها من الموقع.
مركز میثمی
يقع مركز البحوث "میثمی"، وهو من المواقع التابعة لـ"سبند"- ووفق تقارير وزارة الدفاع الإسرائيلية يعدّ جزءاً من منظومة عسكرة البرنامج النووي الإيراني- في غرب طهران قرب كرج.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية بتاريخ 21 أكتوبر و2 نوفمبر 2025 أن إيران أجرت في هذا الموقع أعمال تنظيف واسعة، شملت رفع الأنقاض.
وقد تكون هذه الخطوة مؤشراً إلى استرجاع معدات أو التحضير لعملية إعادة بناء محتملة. ومع ذلك، لم تُسجّل أي دلائل على بدء عمليات إعادة البناء أو استعادة القدرات السابقة.
كالاَِي إلكتريك
تعرض موقع البحث والتطوير الخاص بأجهزة الطرد المركزي "كالاَي إلكتريك" على طريق دماوند لهجومين إسرائيليين يومي 16 و18 يونيو 2025، ودُمّر بالكامل. وتُظهر صور الأقمار الصناعية بتاريخ 18 أكتوبر 2025 أن الموقع لا يزال مدمّراً؛ إذ لم يُنظَّف منه سوى جزء بسيط لإفساح مسار ضيق، وتظهر سيارة واحدة في المكان.
ولا تزال المباني تحت الأنقاض، ولا دلائل على أي إصلاح أو إعادة بناء في الموقع.

