يبدو أن أهم هدف لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في زيارته المقبلة إلى واشنطن، هو انتزاع الضوء الأخضر من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للمضي قدمًا في "عمله غير المنجز"، أي التدمير الكامل لقدرات النظام الإيراني، وفي النهاية إسقاط النظام نفسه، وصياغة شرق أوسط جديد.

ومنذ عودة ترامب إلى السلطة، أصبح التعاون بينه وبين إسرائيل ضد إيران والقوى التابعة لهه وثيقًا؛ إلى درجة أن نتنياهو كرّر مرارًا أن إسرائيل لم تحظَ أبدًا بصديق مثل ترامب في البيت الأبيض. إن توليفة ترامب- نتنياهو تُعدّ كابوسًا للمرشد الإيراني، علي خامنئي.

وتنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الأيام تقارير واسعة حول الزيارة المرتقبة لنتنياهو إلى أميركا ولقائه الخامس بترامب، منذ عودة الأخير إلى السلطة. ويبدو أن نتنياهو يسعى خلال هذه الزيارة للحصول على موافقة لعدة عمليات عسكرية مهمة: أولًا، الهجوم على حزب الله في لبنان، الذي ترى إسرائيل أنه لم يُنزع سلاحه بعد، وأن الوقت قد حان لتجريده منه بالقوة؛ وثانيًا، شن هجوم أوسع وأثقل ضد إيران، وربما أيضًا هجومًا مفاجئًا على الحشد الشعبي في العراق، وهو قوة أخرى تابعة للنظام الإيراني.

وتؤكد وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو سيتوجّه إلى واشنطن للتشاور والتنسيق مع ترامب بشأن سلسلة من العمليات العسكرية المحتملة، بما في ذلك الهجوم على النظام الإيراني وحتى سيناريو إسقاطه. وقد أظهرت التجارب أنه في كل مرة يلتقي فيها ترامب ونتنياهو، تحدث تغييرات مهمة في الشرق الأوسط.

وعلى خلاف إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، التي منعت مرارًا هجوم إسرائيل على رفح أو حزب الله أو إيران وسعت إلى لجم نتنياهو، أصبحت إسرائيل منذ فوز ترامب في الانتخابات، وحتى قبل عودته رسميًا إلى البيت الأبيض، تتحرك بيد أكثر انطلاقًا ضد النظام الإيراني؛ من أمثلة ذلك هجوم نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي على ما لا يقل عن 20 هدفًا حساسًا داخل إيران، في حين أن إدارة بايدن قبل ذلك بعدة أشهر لم تمنح سوى إذن بضرب موقع واحد لمنظومة "إس-300" في أصفهان.

ولنتنياهو هدف واضح في هذه الزيارة: ما دام ترامب في السلطة، يريد الحصول على أقصى قدر ممكن من التعاون منه لشن هجوم على النظام الإيراني وقواته الوكيلة، بل وحتى التقدّم نحو تغيير النظام نفسه. وهو يدرك أن هذا هو الوقت الأنسب، إذ لا يُعرف ما إذا كان الجمهوريون سيتمكنون من الحفاظ على أغلبيتهم في انتخابات الكونغرس النصفية. ويكمن قلق نتنياهو في أنه إذا استعاد الديمقراطيون الأغلبية، ستُقيّد يد ترامب، وقدرته على التعاون الحر مع إسرائيل ستصبح محدودة. لذلك يسعى نتنياهو إلى حسم التفاهمات المطلوبة من الآن.

ومن وجهة نظر إسرائيل، فإن رفض النظام الإيراني شروط ترامب الثلاثة (وقف التخصيب، تقييد البرنامج الصاروخي، وإنهاء دعم القوى التابعة) يعني أنه لا وجود لأي اتفاق محتمل بين الطرفين، ومِن ثمّ ترتفع احتمالات المواجهة.

وفي هذا السياق، يتوقع نتنياهو أن يُقرّ ترامب خطته بشكل عام، رغم أن واشنطن قد تتباين معه في مسألة الجدولة الزمنية أو بعض التفاصيل. وصحيح أن لدى أميركا أولويات مثل حسم الحرب في أوكرانيا أو ملف فنزويلا، لكن هذه الأولويات لا تعني التخلي عن دعم إسرائيل في مواجهة حزب الله أو النظام الإيراني.

وفي إيران، يبدو أن فهم مسؤولي النظام لطبيعة الحروب الأميركية الجديدة خاطئ من الأساس. فالولايات المتحدة لم تعد راغبة في خوض حروب طويلة على نمط العراق وأفغانستان، لكن ذلك لا يعني امتناعها عن عمليات قصيرة وعالية الوتيرة. وقد أظهرت تجربة الهجوم على منشآت فوردو النووية أن الولايات المتحدة تتجه نحو إجراءات أقرب إلى "عمليات" منها إلى "حروب": ضربات قصيرة، وثقيلة، في معظمها جوية أو صاروخية، دون نشر واسع للقوات البرية.

ومن المحتمل تكرار هذا النموذج في سيناريو الهجوم على فنزويلا: ضغط شديد لتغيير الحكم، وإن لم يُجدِ نفعًا، ضربة قصيرة لكن شديدة لإسقاط مادورو. وعلى المنوال نفسه، إذا وقع صدام بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، فالأرجح أن نشهد عملية سريعة وعالية الوتيرة، وليس حربًا طويلة.

وفي المقابل، لدى إسرائيل استراتيجية مختلفة: التقدّم التدريجي ولكن المستمر في اتجاه إضعاف النظام الإيراني، ثم إسقاطه في النهاية دون إعلان ذلك رسميًا. تصريحات نتنياهو الأخيرة الموجّهة إلى الشعب الإيراني حين قال: "اخرجوا إلى الشوارع، إسرائيل تقف إلى جانبكم"، تُظهر أن هدفه النهائي هو إسقاط النظام الإيراني، وإن لم تكن إسرائيل تعتزم القيام بذلك مباشرة، إذ تقوم سياستها على توجيه ضربات عسكرية وأمنية تضعف بنية القمع واتخاذ القرار في إيران، بما يمهّد الأرضية لانتفاضة شعبية.

وفي داخل إيران، تظهر مؤشرات واضحة على قلق عميق لدى مسؤولي النظام الإيراني. فكثيرون منهم يتحدثون صراحة عن احتمال استهداف المرشد الإيراني أو انهيار بنية السلطة. كما أن الأجواء الاجتماعية مليئة بأسئلة الناس حول احتمال سقوط النظام، واحتمال هجوم إسرائيلي، وتوقيت الاحتجاجات، وما سيحدث في مرحلة ما بعد النظام الإيراني.

وهذا القدر من التساؤلات يعكس حالة من الاستياء الشديد، والإرهاق العام، والشعور بأن المجتمع يعيش في وضع "ما قبل الانتفاضة"، حيث يمكن لشرارة صغيرة أن تُشعل مستودعات الغضب.

وحاليًا، لدى قسم كبير من المجتمع الإيراني سؤال واحد فقط: "متى سيرحلون؟"، وقد تغيّرت الذائقة الإخبارية للناس؛ حيث بات أغلبهم يتابع الأخبار المتعلقة بمصير النظام السياسي، وحال المرشد الإيراني، وإمكان وقوع احتجاجات، واحتمال هجوم إسرائيلي، ومستقبل إيران بعد النظام الإيراني. إن الإرهاق العام وفقدان الثقة الكامل بالآليات الرسمية جعلا الأخبار السياسية التقليدية غير جذابة للإيرانيين.

ويبدو أن المجتمع الإيراني يعيش في وضعٍ يُخفي الغضب تحت سطح الهدوء الظاهري، لكنه غضب متراكم قد ينفجر في أي لحظة. وفي مثل هذا الواقع، حيث أُغلقت طرق التغيير عبر المسارات الانتخابية، يبدو أن الشعب الإيراني سيتجه عاجلًا أم آجلًا نحو انتفاضة تُسقط النظام الإيراني.

مزيد من الأخبار